أثر القيم الدينية على تشكيل العمارة والعمران التقليدي في المملكة العربية السعودية

تعتبر العقيدة الإسلامية بما تتضمنه من قيم وتعاليم هي بلا شك أبرز العوامل المؤثرة في العمارة التقليدية بالمملكة؛ والإسلام كما هو معروف ليس دين عبادة فحسب، بل هو دين حياة بكل ما تعنية هذه الكلمة، فالإسلام وتعاليمه مصدر التشريع، ينظم العلاقات بين الناس على اختلاف مستوياتهم، من ذلك وجود المسجد في وسط الحي أو القرية، والتقاء المسلمين فيه أثناء الصلاة فإن الدين كان صاحب البصمة الواضحة في العمران التقليدي، وفي المسكن بشكل عام منذ أن دخلت المنطقة في الإسلام، وبعد مدة وجيزة من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تمثل ذلك في أن المسكن التقليدي الذي يراعي دائما أكبر قدر من الخصوصية عامة وللإناث بشكل خاص ، ولذلك وجد أن خطة المنزل التقليدي دائما تفصل بين المجلس أو الديوانية كمكان لاستقبال والضيوف وبين بقية أجزاء المنزل، وحتى في أبسط أشكال السكن، كما هي الحال في بيوت الشعر الخاصة بالبدو، قد قسمت الخيمة بين الذكور والإناث، وفي المنازل الثابتة الدائمة كمساكن المدن تجلت فكرة الوحدانية لله تعالى والبعد عن رسوم الأشخاص ولا تزخرف سوى بالرسوم الهندسية والرسوم التجريدية، وبالنسبة للنوافذ الخارجية ومن منطلق الحفاظ على الخصوصية من منطلق ديني يلاحظ أن حجم النوافذ في المستوى السفلي من المسكن مرتفعة عن مستوى النظر، وضيقة عكس النوافذ التي تفتح في الدور العلوي وبصفة عامة يلاحظ أن التخطيط الداخلي للمنزل صمم تصميمات تساعد على تحقيق الخصوصية لمن بداخلة، ووقايتهم من عيون الآخرين، وكذلك من الذين يأتون لزيارة أهل المنزل، وفي دراسة لوحدة الاستقبال " المجلس " في دور سدوس إحدى بلدان المنطقة الوسطى بالمملكة اتضح اختيار موضع المجلس بين وحدات الدار وروعي أن يتوصل إليه مباشرة أو من أقرب طريق؛ حتى لا يلج الزائرون وحدات الدار الأخرى، فتكون عرضه لكشفهم لها، وقد انعكس ذلك في استقلالية بعض المجالس بأبواب خاصة، أو مراعاة التوصل إليه مباشرة بعد عبور باب الدار الخارجي إلى المجلس أو التطرق لمسافة صغيرة جدا وبعيدا عن بقية وحدات الدار للوصول إليه وفي حالة ما إذا كان المجلس في الطابق العلوي فإنه يلاحظ في مثل هذه الحالات العلاقة الوثيقة المتمثلة في قرب الدرج السلم المؤدي إلى الطابق العلوي من المدخل الرئيس للدار، حتى يصعد الزائر مباشرة حيث المجلس الذي يختار له موضع قريب جدا من نهاية الدرج، كذلك لوحظ أن فتحات التهوية والإضاءة بالمجلس صممت بطريقة تمنع ضرر الكشف، فإذا ما كانت هذه الفتحات في هيئة نوافذ مستطيلة لها مصاريع من الخشب فإنها كانت تفتح في أعلى الحائط بمستوى أعلى من مستوى بصر الواقف في المجلس، بحيث لا يستطيع الإطلال منها، وفيما يتعلق بتخطيط الحجرات والغرف ، لوحظ أن الأبواب في أطراف جدرانها الطويلة غالبا؛ حتى لا يكشف من خارج أبوابها داخلها كلها؛ ويبقى الجزء المكشوف من هذه الوحدات هو القطاع المقابل للباب من الداخل، ويحقق هذا التخطيط نوعا من الوقاية لمن بداخلها في حالة فتح أبوابها. كما أثرت الأحكام الفقهية المحققة للخصوصية وعدم كشف الحرمات في تخطيط المنزل الإسلامي في توافق تام مع العوامل الأخرى التي أثرت في هذا التخطيط، فوجبت المعادلة بين ضيق الشوارع والطرقات الجانبية التي تمثل نسبة عالية من شرايين الاتصال بين التكوينات السكنية في المدينة وما قد يترتب على ذلك من منع فتح النوافذ والمظلات بمقاييس تناسب التهوية والإضاءة والإطلال .وتوفر نسبة جيدة من الإضاءة والتهوية، وتجنب فتح المظلات على الشوارع أو الجيران، وما ينجم عن ذلك من ضرر للبيوت المجاورة .

نقلا عن : https://collections.vam.ac.uk/item/O1031122/medina-the-city-from-the-photograph-bey-sadic/

المراجع :

• محمدين، محمد محمود أحمد. "دور البيئة الجغرافية في صوغ أنماط العمارة التقليدية بالمملكة بالمملكة العربية السعودية." 152. الدارة: دارة الملك عبد العزيز مج 22, ع 2 (1996م).

• الجديد، منصور بن عبد العزيز. "أنماط العمارة الأصيلة في المنطقة الجنوبية الغربية من المملكة العربية السعودية." 185. مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية: جامعة الكويت - مجلس النشر العلمي س 30, ع 115 (2004م).

• عثمان، محمد عبد الستار. "في شوارع المدينة الإسلامية وطرقاتها." 33، العصور: دار المريخ للنشر مج 2, ج 2 (19987م).

• الجديد، منصور بن عبد العزيز. "المساجد الطينية بمدينة الدرعية: دراسة مسحية توثيقية." 14. الدارة: دارة الملك عبد العزيز مج43, ع4: (2017م).

• القمادي، محمد. (وآخرون) “الخصائص الشكلية للبيت التقليدي في مدينة نجران، المملكة العربية السعودية، 81، مجلة كلية العمارة والتخطيط – كلية الهندسة والتخطيط، مج 31، ع1: (2019 م).

• عثمان، محمد عبد الستار.: سدوس وتحصيناتها الدفاعية: دراسة تاريخية أثرية معمارية"، 296، دراسة حالة. حوليات كلية الآداب: جامعة الكويت - مجلس النشر العلمي الحولية12، الرسالة80 (1992م)؛ مصطفى، شاكر. المدن في الإسلام حتى العصر العثماني،33، ط2، ج1 (سوريا: دار طلاس للدراسات والترجمة ،1408ه/1988م).

• خليل، أسامة سعد. تخطيط المدن السعودية في إطار هويتها العمرانية:(حالة دراسية مدينة حائل)، 198، كلية العمارة والتخطيط- جامعة الملك سعود، - مركز البحوث والمعلومات، مج32، ع1، (1990م).