top of page
Search

مشاهدات من رحلة ابن جبير (539هـ ــ 614هـ/1144م ــ 1217م)

  • Aridh Team
  • Apr 13, 2022
  • 19 min read

Updated: Apr 17, 2022




  • اسمه ونشأته:

الرحالة أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد السلام بن جبير الكناني الشاطبي البلنسي الأندلسي المشهور لدى بابن جبير الأندلسي ولد في بلنسية في شهر ربيع الأول من العام (530ه/ 1144م) كان جده عبد السلام من أوائل الداخلين إلى الأندلس القادمين من المشرق عام (123ه/740م) وهو من أشهر الرحالة العرب والمسلمين الذين أحسنوا تصوير مشاهداتهم في مختلف البلدان والأقطار التي زاروها.

  • رحلاته:

تنقل ابن جبير في مستهل حياته بين عدد من المدن الاندلسية والأفريقية فأقام في بلنسية وشاطبة وغرناطة وسبته وفاس؛ ويذكر بعضُ المؤرخين أن ابن جبير قام بثلاث رحلات، إلا أنه لم يدوّن منها سوى الرحلة الأولى، وقد كتبها بطريقة تدوين المذكّرات والمشاهدات اليومية.

  • مسار الرحلة:

في يوم الخميس الثامن من شهر شوال من العام (579ه/1184م) خرج سنة 579ابن جبير من غرناطة (سبتة) ومنها إلى المشرق العربي حيث ركب سفينة جنوية متجهاً إلى الإسكندرية ومنها توجه إلى مكة عن طريق (عيذاب) فجدة، فحج وزار المدينة والكوفة وبغداد والموصل وحلب ودمشق وركب البحر إلى صقلية عائدا إلى غرناطة عام 581 هــ وقد استغرقت رحلته سنتين وثق فيها مشاهداته اليومية.






خارطة رحلة أبن جبير

  • الطريق إلى جدة:

ولم تكن الرحلة إلى جدة باليسيرة؛ ففي عيذاب تم تكديس الركاب في كل سفينة ليستوفي صاحبها ثمنها في الرحلة الواحدة دون أن يكترث لأي خطر محتمل من هذا التزاحم في السفينة بالإضافة إلى ما واجههم من مشقة في الطريق إلى جدة فيقول في وصف الإبحار لجدة " والركوب من جُدة إليها آفة للحجاج عظيمة إلا الأقل منهم ممن يسلمه الله عز وجل، وذلك أن الرياح تُلقيهم على الأكثر في مراسٍ بصحاري تبعد منها مما يلي الجنوب؛ فينزل إليهم البجاة وهم نوع من السودان ساكنون بالجبال فيُكرون منهم الجمال ويسلكون بهم طريق الماء . فربما ذهب أكثرهم عطشاً وحصلوا على ما يخلفه من نفقة أو سواها. وربما كان من الحجاج من يتعسّف تلك المَجهلة على قدميه فيضلّ ويهلك عطشاً، والذي يسلم منهم يصل إلى عيذاب كأنه منتشر الكفن شاهدنا منهم مدة مُقامنا أقواماً قد وصلوا على هذه الصفة في مناظرهم المستحيلة وهيئاتهم المتغيّرة ". وكان القادمين إلى جدة يركبون الجلاب (1) المصنوعة من خشب مجلوب من الهند أو اليمن حيث تصنع بضم قطع الخشب ببعضها عن طريق خيوط جذور خيوط جوز الهند ويخللون بدسر (2) من عيدان النخيل وبعد الانتهاء من مرحلة الخياطة وضم القطع الخشبية تسقى بالسمن أو بدهن الخروع أو زيت القرش وهو أحسنها والغرض من الدهان ليلين عودها ويرطب لكثرة الشعاب المعترضة في البحر. أما أشرعة تلك السفن فتصنع من خوص شجرة الدوم والتي أسماها ﺑ (المقل).

  • وصف جدة:

كان الوصول إلى مدينة جدة شاقاً محفوفاً بالمخاطر بسبب الظروف المناخية التي أخرت وصولهم إلى خليج أبحر الذي يبعد يوم عن جدة؛ وبسبب الشعب المرجانية والتفافها لم يكن الوصول إلى مرسى جدة بالسهل إلا أن مهارة قادة المراكب سهل الوصول إلى المرسى. وفي ظهر يوم الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الآخر عام 579ه الموافق للسادس والعشرين من شهر يوليو عام 1183م دخل ابن جبير مدينة جدة وأقام في دار صاحب جدة القائد علي الذي كان والياً من قبل أمير مكة ونزل في أحد الصروح الخوصية التي تبنى بأعالي ديارهم.

ويصف ابن جبير جدة فيقول بانها قرية على ساحل البحر وبها آثار مدينة قديمة لها أسوار لاتزال قائمة، أما العمارة السكنية فأكثر بيوتها الأخصاص وفيها فنادق مبنية بالحجارة والطين وفي أعلاها بيوت من الأخصاص كالغرف ولها سطوح يستراح فيها بالليل من الحر.

ثم يذكر العمارة الدينية في جدة ويشير إلى المسجد الذي ينسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ([3]) ، كما ذكر مسجد آخر أختلف فيه؛ فالبعض ينسبه لزمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه والبعض الآخر ينسبه إلى زمن الخليفة العباسي هارون الرشيد. كما أشار ابن الجبير إلى القبة العتيقة المشيدة على منزل ينسب إلى حواء أم البشر.

أما أبرز المنشآت المائية بجدة فهي تلك الآبار والتي أسماها ﺑ (الجباب) وهي منقورة في الحجر الصلد يتصل بعضها ببعض وهي كثيرة العدد لا يمكن حصرها.

وعن الحالة الاقتصادية في جدة يصف ابن جبير سكان جدة بأنهم فقراء محتاجون يمتهنون أي مهنة، وكان جلَّ هذه المهن مرتبط بخدمة الحجاج مثل تأجير الجمال على الحجاج وبيع الطعام والماء لهم. وأكثر سكان جده أشراف علويون حَسنيون وحِسينيون وجعفريون وهم من شظف العيش يستخدمون أنفسهم في كل مهنة من المهن.

وينتقد ابن جبير أهل جدة فيقول بأن الحاج معهم لايزال في غرامة ومؤونه إلى أن ييسر الله رجوعة إلى وطنه ثم يكمل ويقول بأنها أحق بلاد الله لأنه تطهر بالسيف لما هم عليه من حل عري الإسلام واستحلال أمول الحجاج ودمائهم؛ وهم أهل بدع وفرق ضلالة وشيع إلا من عصم الله. بل أنه بالغ حين قال بعد المشقة التي واجهها في الطريق إلى جدة حيث كادوا يهلكون بالإضافة إلى المدة التي قضوها في السفر والتي تقدر بثلاثة أسابيع؛ ثم ما لقي من الظلم والمكوس التي تفرض على الحجاج والضرائب وعدم الاعتناء بهم فإن في هذا تصديقاً لبعض فقهاء المالكية الذين يرون عدم وجوب الحج على أهل بلاد المغرب والأندلس بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حينما قال بأنه لا إسلام إلا في بلاد المغرب وأنه لاعدل ولا حق ولأدين إلا عند الموحدين في المغرب.

  • ­­وصف مكة المكرمة

غادر ابن جبير مع جموع الحجاج جدة في عشية يوم الثلاثاء الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة 579ه الموافق للثاني من أغسطس من العام 1183م متجهين إلى مكة المكرمة؛ وعند طلوع الشمس وصلوا إلى ميقات القرين (قرن المنازل) وأحرموا بعمره وواصلوا السير في ليلتهم حتى وصلوا قرب الحرم فجراَ.

ويصف لحضه دخولهم الحرم قائلاً (فألفينا الكعبة الحرام عروساً مجلوّة مزفوفة إلى جنة الرضوان محفوفة بوفود الرحمن، فطفنا طواف القدوم، ثم صلينا بالمقام الكريم، ودخلنا قبّة زمزم وشربنا من مائها، وهو لما شُرب له، كما قال صل الله عليه وسلم، ثم سعينا بين الصفا والمروة، ثم حلَقْنا وأحللْنا. فالحمد لله الذي كرّمنا بالوفادة عليه وجعلنا ممن انتهت الدعوة الإبراهيمية إليه). ونزل في دار قريبة من الحرم ومن باب السدة تحديداً.

- وصف الكعبة:

يقع المسجد الحرام في وسط مكة والمسجد ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، وعرضاً من الشمال إلى الجنوب. وللبيت الحرام (الكعبة) أربعة أركان ارتفاعه 29 ذراعاً من جهة باب الصفا ومن بقية الجهات 28 ذراعاً بسبب ميل السطح نحو الميزاب؛ وهو مبني من الحجر الأسود. وأركانه هي:

1. الركن الجنوبي الغربي: وهو (الركن اليماني)

2. الركن الشمالي الغربي: وهو (الركن الشامي)

3. الركن الشمالي الشرقي: وهو (الركن العراقي)

4. الركن الجنوبي الشرقي: وهو ركن الحجر الأسود وبه يبتدأ الطواف

يبدأ الطواف من أول أركانه حيث الحجر الأسود، والبيت الحرام يكون عن يساره وأول ما يلقى بعده الركن العراقي وهو ناظر إلى جهة الشمال ثم الركن الشامي وهو ناظر إلى جهة الغرب ثم الركن اليماني وهو ناظر إلى جهة الجنوب ثم يعود إلى الركن الأسود وهو ناظر إلى الشرق. وباب البيت بين الركن اليماني والحجر الأسود وهو أقرب للحجر الأسود وهو من الفضة المذهبة. وداخل البيت مفروش بالرخام وبه ثلاثة أعمدة من خشب الساج، والجزء العلوي من الحوائط الداخلية مطلي بالفضة المذهبة، وفي الركن الداخلي الملامس لركن الحجر الأسود من الخارج بابان من الفضة. والكعبة مكسوة من الخارج بالحرير الأخضر ومطرزة بالحرير الأحمر كتب عليها الآية (8) من سورة آل عمران ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍۢ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَٰلَمِينَ﴾ كما نقش عليها اسم الإمام الناصر لدين الله (العباسي).

- الصحن:

كان البلاط يحيط بالمطاف بمقدار تسع خطى إلا في الجهة التي تقابل المقام فإنها امتدت حتى أحاطت به وهو شكل البلاط بالحجارة المبسوطة السوداء والبيضاء والسمراء قد ألصقت بعضها ببعض كأنها الرخام في حسنها؛ أما باقي المسجد فكان مفروشاً بالرمل الأبيض و النساء يطفن حول البيت العتيق أخر الحجارة المفروشة بعيدا عن الرجال.

أما المقام فأقيم عليه قبة من الخشب في مقدار القامة أو أكثر بأركان يبلغ ارتفاعه ثلاثة أشبار وسعته شبران وأعلاه أوسع من أسفله؛ كما ذكر ابن جبير بأن المقام كان يحفظ في ذلك الوقت داخل الكعبة الشريفة حيث يتم نقله داخل الكعبة خوفاً عليه من السرقة في مواسم الحج. وموضع مقام إبراهيم عبارة عن حفرة أو حوض تقع بين الكعبة والركن العراقي وهذا الموضع للمقام كان في فترة وجود الخليل إبراهيم كما كان يستخدم هذا الموضع مصباً لماء غسل البيت. ويصف أبن جبير الحِجر الرخامي وبراعة ما فيه من نقش وزخارف وكتابات وصفاً يبهر القارئ بجماله وكأنه قطعة فنية.

ثم ينتقل بعد ذلك لوصف المباني التي تعلوها القباب والموجودة في الصحن؛ فأولها القبة التي تعلو بئر زمزم، ثم قبة العباس التي بنيت مكان جلوس العباس بن عبد المطلب، وكانت القباب المذكورة تستخدم لتخزين أوقاف الحرم من مصاحف وكتب وشموع وحوامل الشموع وأواني المياه (الدوارق).

ويشير ابن جبير إلى موضع الحجر الأسود بداخل في الجدار بمقدار ذراعين، وسعته ثلثا شبر وطوله شبر وعقد، ولقد كسر القرامطة الحجر الأسود ويحيط به إطار فضي، والحجر ملمسه فيه لدونه وفيه نقطة بيضاء مشرقة يجب على المقبل أن يقصدها عند تقبيله.

- وصف الحرم:

يحيط بالحرم ثلاثة أروقة رفعت على ثلاثة أعمدة من الرخام؛ وفي مقابل الركن الشمالي رأس عمود ثابت في الأرض منها كان حد الحرم أولاً، وبين رأس السارية والركن الشامي اثنان وعشرون خطوه والكعبة في وسطة على استواء من الجوانب الأربعة ما بين الشرق والجنوب والشمال والغرب؛ كما يشير إلى أنه كان للمسجد أعمدة أخرى مصنوعة من الجبس كانت قد زيدت في الحرم يقابلها المقام مع الركن العراقي وهي متسعه يدخل من البلاط اليه ويتصل بهذا الجدار مصاطب كان يجلس فيها النساخون والمقرئون والخياطون كما كان يعقد في الحرم حلقات المدرسيين وأهل العلم ، كما ويحتوي المسجد على بلاطات ومصاطب ذات حنايا، ويصف أبن جبير حجر التأسيس المنسوب للمهدي العباسي والذي نقش على أحد أعمدة البلاطة وذكر فيه تفاصيل الوسعة التي قام بها المهدي.

وللحرم سبعة مآذن موزعة على الأركان الأربعة، ومئذنة في دار الندوة وأخرى على باب الصفا، وأخرى على باب إبراهيم. ويقابل باب الصفا عمودين نقش على إحداهما نص ليتأسى به الحجاج فهي تقوده وتدله لمكان السعي نسبت الأسطوانة إلى عبد الله محمد المهدي جاء في نقشهما: " أمر عبدالله المهدي أمير المؤمنين، أصلحه الله، بإقامة هاتين الأسطوانتين علماً لطريق رسول الله إلى الصفا ليتأسى به حاج الله، على يدي يقطين بن موسى وإبراهيم بن صالح ، في سنة سبع وستين ومئة".

ويفتح باب الكعبة كل يوم أثنين وجمعة إلا في رحب يفتح كل يوم وفتحه أول شروق الشمس. وأما المنبر فهو واحد متحرك على أربع بكرات فإذا كان يوم الجمة وقرب وقت الصلاة نقل إلى موضع قرب جدار الكعبة الذي يقابل المقام الكريم بين الركن الأسود والعراقي فيسند المنبر عليه ويأتي إلية الخطيب القادم داخلاً على باب النبي محمد صل الله عليه وسلم ويرتدي الخطيب ثوب أسود مرسوماً بذهب وعمامة سوداء مرسومة وفي أثناء الخطبة تركز الرايتان السوداوان في أول درجة من المنبر يمسكهما رجلان من المؤذنين، ثم وصف ابن جبير الخطبة وما جاء فيها من وعض ودعاء للخليفة العباسي وأمير مكة حتى جاء ذكر صلاح الدين الأيوبي في الدعاء لتخفق ألسنة المصلين بالتأمين عليه من كل مكان .

وللحرم أربعة أئمة سنية: الشافعي وهو أول من يصلي وصلاته خلف مقام إبراهيم، والمالكي ويصلي قبالة الركن اليماني، والحنفي قبالة الميزاب وليس له ، والحنبلي وصلاته مع المالكي في حين واحد وموضع صلاته مبين الحجر الأسود والركن اليماني ، وإمام خامس من الفرقة الزيدية وهم روافض ولا يجمعون مع الناس إنما يصلون الظهر أربعاً ويصلون المغرب بعد فراغ الأئمة من صلاتهم، ولكل إمام من أئمة السنة موضع يصلي فيه ليأم الناس. ويصلي جميع الأئمة الأربعة صلاة المغرب في وقت واحد مجتمعين لضيق وقتها.

- أبواب الحرم:

وللحرم تسعة عشر باباً أكثرها يفتح عل أبواب أخرى:

1. باب الصفا وهو أكبرها يفتح على خمسة أبواب.

2. باب الخلقيين (جياد الأصفر) ثلاثة أبواب.

3. باب العباس رضي الله عنه يفتح على ثلاثة أبواب.

4. باب على رضي الله عنه يفتح ثلاثة أبواب.

5. باب النبي صل الله عليه وسلم يفتح على بابين.

6. باب صغير بالقرب من باب بني شيبة لا اسم له.

7. باب بني شيبة وهو يفتح على ثلاثة أبواب وهو باب بني عبد شمس ومنه كان دخول الخلفاء.

8. باب دار الندوة يفتح على ثلاثة أبواب.

9. باب صغير بإزاء باب بني شيبة يشبه خوخة الأبواب لا اسم له وقيل إنه يسمى بباب الرباط لأنه يدخل منه لرباط الصوفية.

10. باب صغير لدار العجلة.

11. باب السدة يفتح على باب واحد.

12. باب العمرة يفتح على باب واحد.

13. باب حزورة يفتح على بابين.

14. باب إبراهيم يفتح على باب واحد.

15. باب ينسب لحزورة يفتح على بابين.

16. باب جياد الأكبر ويفتح على بابين.

17. باب جياد الأكبر أيضاً ويفتح على بابين.

18. باب ثالث ينسب لجياد ويفتح على بابين.

ويصف ابن جبير السعي بين الصفا والمروة والأعلام الخضراء التي يمشي بينها الساعي بسرعة؛ وما بين الصفا والمروة سوق حافلة بجميع الفواكه والحبوب وسائر أنواع الطعام ولا يوجد للبلد سوق منتظمة غير هذه السوق إلا البزازين والعطارين فهم يتواجدون عند باب بني شيبة تحت السوق وبمقربة تكاد تتصل بها.

- وصف مكة المكرمة وآثارها:

يذكر أنها تقع بين جبال شاهقة في وادي مقدس مستطيل، لها ثلاثة أبواب:

1. باب المعلى: ويقع بين الشرق والشمال وهو إلى الشرق أميل ومن هذا الباب الطريق إلى الطائف وطريق العراق والصعود إلى عرفات.

2. باب المسفل: وهو إلى جهة الجنوب وعليه طريق اليمن ومنه كان دخول خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم الفتح.

3. باب الزاهر: ويعرف بباب العمرة وهو غربي وعليه طريق المدينة وطريق الشام وطريق جدة ومنه يتوجه إلى التنعيم وهو أقرب ميقات المعتمرين.

ويشير ابن جبير إلى بعض الآثار أثناء رحلته إلى مكة فيقول وعندما تخرج من باب الزاهر تجد مسجد صغير فيه مصطبة يقان أن الرسول ﷺ جلس واستراح عليها عند مجيئه للعمرة وعلى جانبي الطريق أربعة جبال ويقال إنها الجبال التي جعل إبراهيم عليه السلام عليها أجزاء الطير ثم دعاهن، ثم تمر بوادي الطوى ويقال إن النبي ﷺ نزل فيه عند نزوله مكة. ويذكر أنه عند باب بني شيبه أحجار كبيرة كأنها مصاطب قيل إنها الأصنام التي كانت تعبدها قريش كبت على وجوهها لكي تطأها الأقدام.

ثم يصف دار خديجة أم المؤمنين ويذكر أن بها قبة صغيرة ولدت فيها فاطمة الزهراء رضي الله عنها وفيها أيضاً ولدت فاطمة الزهراء الحسن والحسين رضي الله عنهما، كما ذكر أبن جبير مكان مولد رسول الله، ومن مشاهداته دار الأرقم بن أبي الأرقم التي احتضنت الدعوة الإسلامية في مرحلتها السرية، وكذلك دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ودار جعفر بن أبي طالب. كما وصف جبل ثور وهو يمين مكة وفيه الغار الذي أختبأ فيه الرسول ﷺ مع صاحبة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

- المساجد في مكة:

1. مسجد ينسب لأبي بكر الصديق بجهة المسفلة.

2. مسجد فوق جبل أبي قبيس يشرف على مكة.

3. مسجد (الجن) على يمين المستقبل لمقبرة أم الحجون في وادي بين جبلين .

4. مسجد على طريق التنعيم يقع على بعد ميل من مكة

5. مسجد يقع بوادي ذي طوى

6. مسجد عائشة رضي الله عنها في التنعيم.

7. مسجد علي بن أبي طالب في التنعيم مقابل مسجد عائشة رضي الله عنها.

8. مسجد الدار التي ولد بها الرسول ﷺ.

9. مسجد حفيل البنيان وهو مبني في مكان مولد النبي ﷺ شرق الكعبة.

10.مسجد البيعة في منى.

11.مسجد منحر الذبيح في منى.

12.مسجد الخيف يقع في آخر منى.

13.مسجد مكان مولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه على مقربة من مسجد حفيل البنيان.

14.مسجد مزدلفة ويقع في وسط مزدلفة وعليه قبة.

15.مسجد إبراهيم في عرفة.


- أسواق مكة:

ويشير ابن جبير إلى وجود أسواق لتلبية حاجات الحجاج، ومن ذلك سوق منى التي تستمر لثلاثة أيام، وهي من كبرى الأسواق فضلا عن السوق العظيمة المعروفة بسوق المسجد الحرام التي تحتوي سلعا وبضائع لا حصر لها، وحسب تعبيره "كانت سوقا عظيمة يباع فيها من الدقيق إلى العقيق ومن البر إلى الدر".

كذلك يوجد سوق ما بين الصفا والمروة وهي سوق حافلة بجميع الفواكه والحبوب وسائر أنواع الطعام ولا يوجد للبلد سوق منتظمة غير هذه السوق إلا البزازين والعطارين فهم يتواجدون عند باب بني شيبة تحت السوق وبمقربة تكاد تتصل بها.

ويصف طريقة عرض البضائع في أسواق مكة وخصوصاً الحلوى وكيف أنه يصنع منها أشكالا غريبة من العسل والسكر معقود على صفات شتى تشبه أشكال الفواكه، ومجسمات آدمية ويذكر ابن الجبير وهو القادم من الأندلس أنه لم يرى مثلها، ويقول في وصف لحوم الضأن بأنها العجب العجيب، وأما السمن واللبن لا تكاد تميزها عن العسل طيباً ولذاذة.


- وصف ما خص الله به مكة من خيرات:

قال تعالى ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا﴾ ؛ فمكة ملتقى الصادر والوارد والثمرات تجبى إليها من كل مكان .فهي أكثر البلاد نعماً وخيراً تتوفر فيها الأرزاق والفواكه واللحوم، ويقول ابن جبير كنا نظن أن الأندلس اختصت بتلك الخيرات حتى زرنا هذه البلاد المباركة فوجدناها تغص بالنعم والفواكه والتين والعنب والرمان والسفرجل والخوخ والجوز والبطيخ والباذنجان والأترج والمقل والبطيخ والقثاء والخيار وغيرها من الخيرات، كما تتوفر فيها أنواع الريحان و المسك والكافور والعنبر والعود والعقاقير الهندية والبضائع التي تجلب من الهند والحبشة والعراق واليمن ،والسلع الخرسانية .

- أعمال جمال الدين وآثاره في مكة:

كان لهذا الرجل الكثير من الآثار الكريمة والصنائع الحميدة، قدّم الكثير من المنافع العامة في الحرم المكي والمدني؛ بنى رباع بمكة مسبلة في طرق الخير مؤبدة ، بالإضافة إلى اختطاط صهاريج الماء وحفر آبار في الطريق يتجمع فيها ماء الأمطار، وتجديد آثار من الحرمين الشرفيين ، كما جعل للمدينة المنورة سورين أنفق فيها أموال لا تحصى، كما أستبدل باب الكعبة القديم بآخر من الفضة المذهبة وأوصى جمال الدين أن يصنع من باب الكعبة القديم تابوت توضع جثته فيه بعد موته ويحج به وبالفعل نفذت وصيته وبعد انتهاء الحجة نقل إلى المدينة ودفن بجوار روضة رسول الله.

- شهر رجب والعمرة الرجبية:

يعتبر شهر رجب من الأشهر المباركة عند أهل مكة وموسم من المواسم المعظمة وهو أكبر أعيادهم، وهو أحد الاشهر الحرم، وكانوا يحرّمون القتال فيه، وهو شهر الله الأصم، كما جاء في الحديث عن رسول الله، صل الله عليه وسلم.

والعمرة الرجبية عندهم أخت الوقفة العرفية، ووصف ابن جبير زحام المعتمرين في رجب حيث يقول "مرأى الحشر يوم القيامة لكثرة الخلائق فيه". فيجتمع للعمرة في رجب خلق عظيم لا يحصيهم الا الله عزّ وجلّ. يبدأ الاقبال على العمرة منذ الليلة التي يستهل فيها الهلال مع صبيحتها. ويكون الاستعداد لها من قبل ذلك بأيام. وقد امتلأت شوارع مكة وأزقتها بهوادج مشدودة على الإبل مكسوة بأنواع الحرير وغيرها من ثياب الكتان الرفيعة بحسب سعة أحوال أصحابها، يخرجون الى ميقات التنعيم ليحرموا، والإبل قد زينت بأنواع التزيين ومن أغرب ما شاهدناه من ذلك هودج الشريفة جمانة بنت فليتة عمة الأمير مكثر.

وقد امتلئ المسجد الحرام وأضيئ بالسرج وقرعت الطبول والبوقات إشعارً بدخول الموسم. فالعمرة في هذا الشهر متصلة ليلاً ونهاراً، وباب الكعبة يفتح كل يوم. وقد اعتمر في ذلك الوقت الأمير مكثر. وفي اليوم السابع عشر يقام احتفال آخر. وأما اليوم التاسع والعشرين يخصص للنساء لزيارة البيت المكرم، وفي اليوم التالي يغسل البيت بسبب أن النساء يدخلون أبناءهن الصغار فيفضل غسله. وفي شهر شعبان يزعم الناس أن ماء زمزم يفيض فيجتمعون عند بئر زمزم المباركة. وتعتبر ليلة النصف من شعبان ليلة شريفة معظمة عند أهل مكة يبادرون فيها بأعمال البر من عمرة وطواف وصلاة وقراءة القرآن.

- وصف شهر مضان:

وافق رمضان يوم الأحد، ولاحظ ابن جبير أن أهل مكة صاموا ولم يكونوا قد تمكنوا تماما من رؤية الهلال، ولكن أمير مكة أمر بضرب الدبادب من أجل إعلان بدء الصوم؛ لأنه رأى وجوب صيام يوم الشك. وبمجرد بدء شهر رمضان تم تجديد الحصر الموجودة بالمسجد الحرام والإكثار من إشعال الشموع والقناديل حتى تلألأ الحرم نورا وسطع ضياء.

كما وصف صلاة التراويح بالحرم المكي فذكر اصطفاف العديد من المصلين خلف الأئمة من المذاهب الأربعة، وقد أحضر المالكية ثلاثة قراء يتناوبون القراءة وتنافس تجار المالكية فجلبوا لإمام الكعبة شموع عالية نصبت أمام المحراب. ينقل ابن جبير مشاهد من الليالي الرمضانية في الحرم المكي، ويصف صلاة التراويح بقولة: "كاد لا يبقى زاوية ولا ناحية إلا وفيها قارئ يصلي بجماعة خلفه، فيرتج المسجد لأصوات القراء من كل ناحية ".

ولم يفت ابن جبير ذكر مسألة السحور في ليالي رمضان في مكة المكرمة، فذكر أن أحد المؤذنين كان يتولى التسحير في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من المسجد الحرام بسبب قربها من دار أمير مكة فيقوم المؤذن وقت السحور داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، ونصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان فوقهما قنديلان كبيران من الزجاج يضيئان طوال فترة السحور، فإذا اقتربت نهاية وقت السحور قام المؤذن بإنزال القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ في الأذان.

ونتيجة لاتساع مساحة مكة المكرمة وبعد الكثير من منازلها عن المكان الموجود به قنديلا التسحير، يذكر ابن جبير ارتفاع منازل مكة؛ وهو الأمر الذي جعل الذين لم يسمعوا نداء السحور يشاهدون القنديلين يضيئان أعلى الصومعة فإذا لم يبصروهما عرفوا أن وقت السحور قد انتهى.

يذكر ابن جبير اجتهاد المجاورين للمسجد الحرام في صلاة التراويح وختم القرآن، فكان يجري ختم القرآن في كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، فذكر أنه في ليلة الحادي والعشرين من رمضان قام أحد أبناء مكة بختم القرآن أمام قاضي المدينة وبعض شيوخها، واحتفل والد الصبي بذلك بأن قام بدعوتهم إلى وليمة في منزله.

كما قام صبي آخر من أبناء مكة عمره 15 عاما بختم القرآن ليلة الثالث والعشرين فقام والده أيضا بالاحتفال بهذه المناسبة؛ ولأنه كان من الأثرياء، فقد لاحظ ابن جبير أنه أحضر ثريا مصنوعة من الشمع، وأنواعا من الفاكهة "الرطبة واليابسة" والعديد من القناديل والمشاعل.

وفي ليلة الخامس والعشرين قام بختم القرآن ابن الإمام الحنفي للمسجد الحرام؛ الأمر الذي أوجب احتفال والده به أيضا. وكان احتفال الإمام الحنفي بختم أبنه للقرآن احتفالا عظيماً حيث أحظر ثريات الشمع وأنواع الفواكه الرطبة واليابسة وتوج الحطيم بألواح خشب وضعت أعلاها مشاعيل فستنار الحطيم كالتاج العظيم ووضع المحراب العودي المشرجب فجلل دائره الأعلى شمعاً وأحتفل الناس لمشاهدة هذا المنظر المنير.

ثم تحدث ابن جبير عن ختم القرآن الكريم بالمسجد الحرام ليلة السابع والعشرين بوصفها ليلة استثنائية ومباركة يقول: "وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتجاه البيت العظيم؟ وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر البقاع للحرم". وختم ابن جبير حديثه عن ليالي رمضان في مكة، بالدعاء لله أن يبارك صومه إلى جوار الكعبة والبيت الحرام.

ويصف ليلة عيد الفطر المبارك في مكة المكرمة بوصفها من الليالي الحفيلة، حيث جرى إيقاد جميع القناديل والمشاعل والأنوار في الجهات الأربع للحرم، كما تمت إضاءة سطح المسجد الموجود أعلى جبل أبي قبيس، كما أقام المؤذن تلك الليلة أعلى سطح قبلة زمزم مهللاً ومكبراً ومسبحاً وحامدا بينما قضى كافة الموجودين في مكة ليلتهم ما بين صلاة وطواف وتهليل وتكبير.


- العيد في مكة:

بادر السكان بمجرد الانتهاء من أداء صلاة الفجر بلبس أثواب العيد الجديدة، وتوجهوا ثانية لصلاة العيد بالمسجد الحرام، ثم فتح باب الكعبة، ووصل إلى الحرم أمير مكة وقاضيها وخطيبها ونصبت الرايتان السوداوان التي ترمز للدولة العباسية وبعد الاستماع إلى خطبة العيد أقبل الناس على مصافحة بعضهم البعض آخذين في الدعاء مسرورين فرحين بما آتاهم الله من فضله، ثم طافوا بالبيت الحرام. وبعد انتهاء الصلاة والطواف والسلام توجهوا إلى زيارة قبور الصحابة المسلمين في مقبرة جبانة المعلى، وقاموا بالدعاء لمن فيها من عباد الله الصالحين.

مكث ابن جبير شهري شوال وذي القعدة في مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، استعرض خلالهما كيفية أداء المناسك، كما قام بزيارة المنزل الذي ولد فيه الرسول ﷺ، والذي تحول إلى مسجد يعرف بمسجد مولد النبي ﷺ ، كما زار دار السيدة خديجة رضي الله عنها.


- وصف مناسك الحج:

يصف ابن جبير أستار الكعبة المقدسة على جوانبها الأربعة، وهو ما يعرف بإحرام الكعبة، فترفع الأستار يوم السابع والعشرين من ذي القعدة ولا تفتح الكعبة حين إحرامها إلا بعد الوقفة بعرفة.

ويرصد ابن جبير توافد أعداد لا تحصى من الحجاج على مكة المكرمة، ويذكر أنه من الآيات البينات أن تسع مدينة مكة الصغيرة جميع هؤلاء الحجاج، وذلك حسب تعبيره، "لو أن المدن العظيمة حلم عليها هذا الجمع لضاقت عنه ويتفق مع العلماء القائلين بأن ذلك ما حدث إلا لأن مكة تتسع لحجاجها اتساع الرحم لمولوده. ويلاحظ أنه منذ اليوم الأول لذي الحجة بدأت أصوات "الدبادب" العالية تظهر في كافة أوقات الصلاة وحتى يوم عرفة بتذكير الناس وجمعهم عند الصلاة الجامعة بالمسجد الحرام.

ثم يصف ابن جبير صعود منى وأن أول ما يلقى الداخل إليها مسجد البيعة المباركة ، ويصف جمرة العقبة وأنها على قارعة الطريق وبها علم منصوب يرمي بها الحاج سبع حصيات يوم النحر بعد طلوع الشمس ثم ينحروا هديهم أو يطوف أو يحلق فيحل له كل شيء إلا النساء والطيب حتى يطوف طواف الإفاضة ، وبعد جمرة العقبة تأتي الجمرة الوسطى ولها أيضاً علم منصوب ترمى فيها سبع حصيات في اليوم الثاني من النحر تليها الجمرة الأولى في اليوم الثالث من يوم النحر ترمى فيها سبع حصيات بعد العقبة والوسطى على الترتيب .وبعد ذلك يمكن للحاج إذا كان متعجلاً أن يطوف الوداع وينهي حجة أما إذا لم يكن متعجلاً فيرمي العقبة والوسطى والأولى في اليوم الرابع. وفي نهاية منى بعد الجمرة الأولى يوجد مسجد الخيف المبارك وبجانب المسجد حجر كبير استضل به الرسول صل الله عليه وسلم، ثم زار ابن جبير غار حراء، ثم وصف تفاصيل صلاة الاستسقاء في الحرم المكي.

وصف ابن جبير مناسك الحج وأفاض في وصف الوقوف على جبل عرفات وذكر أنه من السنة المبيت بها، ولكن الحجاج اضطروا إلى مغادرتها بسبب خوفهم من قبيلة بني شعبة المشهورة بالإغارة على الحجاج ونهبهم؛ غير أنه يذكر أنه تمت حماية الحجاج آنذاك بفضل تدخل الأمير عثمان بن علي صاحب عدن. الذي كان قد فر منها بعد وصول الأمير سيف الإسلام أخي صلاح الدين الأيوبي.

- عرفات:

يقول ابن جبير عن زحام الحجاج في جبل عرفات بأنه "لا شبيه له إلا الحشر" وأن الوقوف بعرفات يعدل الحج كما يُفهم من قول النبي ﷺ "الحجّ عرفة" ويقول: "والقبلة في عرفات هي إلى مغرب الشمس، لأن الكعبة المقدّسة في تلك الجهة منها، فأصبح يوم الجمعة المذكورة في عرفات جمعٌ لا شبيه له إلاّ الحشر، لكنه إن شاء الله تعالى حشرٌ للثواب، مبشّر بالرحمة والمغفرة يوم الحشر للحساب، وزعم المحققون من الأشياخ المجاورين أنهم لم يعاينوا قطّ في عرفات جمعاً أحفل منه … فلما جُمع بين الظهر والعصر يوم الجمعة المذكور وقف الناس خاشعين باكين، وإلى الله عز وجل في الرحمة متضرّعين، والتكبير قد علا، وضجيج الناس بالدعاء قد ارتفع، فما رُؤيَ يوم أكثر مدامع، ولا قلوباً خواشع، ولا أعناقاً لِهَيْبَة الله خوانع من ذلك اليوم .." وتتبع كل مناسك الحج ورحلة الحجيج ومواقعهم بالتفصيل الدقيق، وذكر أهم الشخصيات التي وصلت للحج هذا العام.

- كسوة الكعبة:

وصف ابن جبير مخيم أمير الحج العراقي والذي ينوب عن الخليفة في الحج، ويحمل كسوة الكعبة من بغداد، وذكر بأن المخيم بدا وكأنه حديقة أو بستان في داخله القباب المضروبة سوداء وبيضاء مرقشه كأنها أزهار، ثم يصف مواكب أمير الحج العراقي ومن معه وكانت كسوة الكعبة تنقل مع أمير الحج أي أنها تكون في مخيمة بعرفات ثم تنقل معه إلى منى وفي يوم النحر تنقل إلى مكة لأجل اللبس ثم صار أمراء الحج بعد ذلك يضعونها في الكعبة قبل صعود الحج وسبب ذلك أن بعضها سرق في بعض السنين.

وسجل ابن جبير في رحلته وصول الأمير سيف الإسلام بن أيوب أخي صلاح الدين الأيوبي إلى مكة في اليوم التالي من شهر رمضان 578هـ قادما من مصر بعد مروره على المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول ﷺ ، ثم زيارة لمكة بعض الوقت وبرفقته وفد من الحجاج المصريين الذين التمسوا الأمن برفقته قبل أن يكمل الطريق باتجاه اليمن لمعالجة إحدى الفتن التي حدثت بها، كما سجل دعاء سكان مكة للأمير سيف الإسلام وأخيه صلاح الدين الأيوبي لاهتمامه بأحوال المدينة المقدسة، ثم طاف سيف الإسلام وأتباعه ببيت الله الحرام، ودمعت أعينهم تبتلا وخشوعا قبل أن يقوم بالسعي بين الصفا والمروة كما تم فتح الكعبة المشرفة له خصيصا.

يشير ابن جبير أنه في موسم الحج تتاح الفرصة للعلماء من خارج مكة للوعظ والخطب في الحرم المكي خلال أيام الموسم، سواء كان وعظهم بالعربية أو بلغة أجنبية، ومن ذلك ما ذكره عن عالم خرساني يجمع بين العربية والأعجمية، وهذا الأمر من أهم الروافد التي أكسبت علماء مكة تنوعاً معرفياً وثقافياً.

غادر ابن جبير مكة في العشرين من ذي الحجة 578هـ بعد أن مكث بها أكثر من ثمانية أشهر، وبعد إتمام الغرض الأساسي من رحلته إلى الشرق وهو الحج إلى بيت الله الحرام.




- الطريق إلى المدينة:

بدأت الرحلة ظهر يوم السبت الرابع والعشرين من ذي الحجة حتى وصلوا بمقربة من عسفان. وهي أرض منبسطة بين جبال؛ وبها آبار تنسب لعثمان بن عفان رضي الله عنه، تشتهر بكثرة شجر المقل وبها حصن قديم متهدم ذو أبراج.

ثم نزلوا خليص وهي أيضاً أرض منبسطة، كثيرة حدائق النخل، بها جبل فيه حصن في أعلاه. وبها عين لها أخاديد في الأرض وأقاموبها يومين لإرواء الإبل واستصحاب الماء.

فلما كان ظهر يوم الاثنين رحلوا من خليص، ونزلوا بوادي السمك، لتجديد حمل الماء، وبهذا الوادي مستنقعات من المياه كثيرة ثم واصلوا السير حتى بدر. وهي قرية فيها حدائق النخل وبها حصن في ربوة مرتفعة وببدر عين، وموضع البئر الذي كان بقرب من موقع الواقعة الاسلامية (غزوة بدر) وشاهدوا المكان الذي دفن فيه شهداء بدر، وجبل الرحمة الذي نزلت فيه الملائكة.

ثم واصلوا السير حتى شعب علي رضي الله عنه، ثم وادي العقيق حيث مسجد ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله ﷺ ومنه إلى قباء حيث مسجدها الشهير، وهو مربع، وفيه مئذنة طويلة بيضاء تظهر على بعد، وفي وسطه مبرك ناقة النبي ﷺ وفيه صحن، وفي الغرب من المسجد بئر، بجوارها حجر.


- وصف المدينة المنورة:

للمدينة المنورة أربعة أبواب، وهي محاطة بسور مزدوج في كل سور باب يقابله آخر، يسمى الأول باب الحديد؛ والثاني باب الشريعة ثم باب القبلة، وهو مغلق؛ ثم باب البقيع. وقبل الوصول لسور المدينة من جهة الغرب يوجد الخندق الشهير الذي حفر في عزوة الخندق.

وعلى حافة الطريق العين المنسوبة للنبي، ﷺ، وعليها حلق عظيم مستطيل؛ ومنبع العين وسط ذلك الحلق كأنه الحوض المستطيل. وعلى حافة الخندق حصن يعرف بحصن العزاب، قيل: إن عمر رضي الله عنه بناه لعزاب المدينة. وفي طريق أحد مسجد على رضي الله عنه، ومسجد سلمان رضي الله عنه، ومسجد الفتح الذي أنزلت فيه على النبي ﷺ سورة الفتح.



- وصف المسجد النبوي:

يأخذ المسجد النبوي شكل مستطيل وسطه يحتوي على صحن مفروش بالرمل والحصى، تحيط بالصحن أربع أروقة أكبرها رواق القبلة الذي يحتوي على خمسة بلاطات موازية لجدار القبلة ومؤخرته تحتوي على خمس بلطات والرواق الشرقي ثلاث بلاطات والرواق الغربي أربع بلاطات. طوله 196×626 خطوة. عدد أعمدته290 عاموداً وهي من الحجر المنحوت.

جدار القبلة يحتوي المحراب الذي يعلوه حجر مربع أصفر وجدار القبلة مؤزر من أسفل بالرخام وتكتنف بلاطة القبلة مقصورة على جانبي البلاطة غرب وشرق، وفي البلاطة التالية لبلاطة القبلة من جهة الشرق باب يفضي إلى دار أبي بكر الصديق وبجوارها دار عمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

وأمام الروضة الشريفة صندوق لحفظ الشمع والأنوار، وفي الجهة الشرقية موضع مصنوع من قش يستخدم لمبيت بعض السدنة والحارسين وفي وسط الصحن قبة كبيرة وهي مخزن لأدوات المسجد وبجوارها 15 نخلة. وللمسجد 19 باباً يفتح منها أربعة (باب الرحمة، وباب الخشية، وباب جبريل وباب السلام)، وللمسجد 5 مآذن اثنتان صغيرتان على هيئة برجين في الجنوب.

تقع الروضة المقدسة في شرق رواق القبلة تحتوي على ثلاثة بلاطات متعامدة على الصحن، لها خمس أركان بخمس واجهات منحرفة قليلاً من القبلة وذلك مخافة أن يتخذها الناس مصلى. ومن الجهة الشرقية لها بلاطين بستة أعمدة والصفحة القبلية من الروضة طولها 42 شبراً، والصفحة الشرقية 30 شبراً ويربط بين الركن الجنوبي والغربي صفحة سعتها 24شبراً، وفي هذه الصفحة صندوق من خشب الصندل مصفح بالفضة وموضع يقال إنه مهبط جبريل عليه السلام.

والروضة مؤزرة بالرخام البديع إلى الثلث والثلث الآخر عبارة عن جدار المكرم يعلوه مقدار شبر موضع المسك والطيب ثم يعلوه شبابيك، تحتوي الروضة على أستار لازودية اللون تعلوها شرفات من دوائر مستديرة، وموضع قبر الرسول ﷺ وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما مستدبر للقبلة، وعن يمين الروضة المنبر وهو مرخم ارتفاعه نحو القامة أو يزيد، وهو مغطى بخشب الآبنوس وفي موضع يد الخطيب حلقة من فضة مجوفة.

- بقيع الغرقد:

يقع بقيع الغرقد شرقي المدينة، يصل إليه عن طريق باب البقيع أحد أبواب المدينة المنورة، وقبور البقيع كثيرة لا يمكن حصرها. وأول ما نشاهد بعد عبور الباب عن اليسار قبر صفية عمة النبي ﷺ، أم الزبير بن العوام، رضي الله عنهما، وأمامه قبر مالك بن أنس الإمام المدني، رضي الله عنه، وعليه قبة صغيرة مختصرة البناء. وأمامه قبر السلالة الطاهرة إبراهيم ابن النبي ﷺ، وعليه قبة بيضاء. وعلى اليمين منها تربة ابن لعمر بن الخطاب، رضي الله عنه، اسمه عبد الرحمن الأوسط. وبجواره قبر عقيل بن أبي طالب، رضي الله عنه، وعبد الله بن جعفر الطيار، رضي الله عنه. وبالقرب منه روضة فيها أزواج النبي ﷺ، وبالقرب من الروضة ثلاثة من أولاد النبي، ﷺ، ويليها روضة العباس بن عبد المطلب والحسن بن علي، رضي الله عنهما، وقبراهما مرتفعان عن الأرض. على هذا الشكل قبر إبراهيم ابن النبي ﷺ. ويلي هذه القبة العباسية بيت ينسب لفاطمة بنت الرسول ﷺ ويعرف ببيت الحزن، يقال: إنه الذي أوت إليه والتزمت فيه الحزن على موت أبيها المصطفى ﷺ، وفي آخر البقيع قبر عثمان الشهيد المظلوم ذي النورين، رضي الله عنه، وعليه قبة الصغيرة مختصرة.

(1) السفن . (2) شيء كالليف تشد به ألواح السفينة. (3) مسجد الشافعي حالياً.

 
 
 

Comments


  • Facebook
  • Twitter
  • LinkedIn

©2022 by آثار العارض. Proudly created with Wix.com

bottom of page